علم الحساب عند الإمام علي عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
علم الحساب عند الإمام علي عليه السلام
علم الحساب عند الإمام علي عليه السلام
مقدمة
أولاً ـ نهج البلاغة :
الأعداد :
الكسور :
وحدات قياس الطول :
ثانياً ـ مسائل حسابية :
المسألة المنبرية :
المسألة الدينارية :
قصة الأرغفة :
مسألة التي ولدت لستة أشهر :
قصة الزُبية :
ثلاثة رجال يختصمون :
ثالثاً ـ الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) :
الخاتمة :
الكاتب احمد محمد جواد من سوريا
مقدمة
ليس غريباً أن يكون الإمام علي ، عالماً متمكناً في العلوم الفقهية واللغوية وأوليات علم الحساب التي تخص عمليات توزيع الإرث وتحصيل الزكاة وحل بعض المسائل الحسابية المتضمنة كسوراً ، وهو الذي تربى في أحضان النبوة ونهل علمه منها ، حيث يقول الرسول الكريم محمد(صلى الله عليه وآله) : «أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت بابه» ][1] . وفي هذا المقام يقول عباس محمود العقاد : فقلَّ أن سمعنا بعلم من العلوم الإسلامية أو العلوم القديمة لم ينسب إليه (أي للإمام علي) ، وقَلّ أن تحدث الناس بفضل لم ينحلوه إياه، وقلّ أن يوجه الثناء بالعلم إلى أحد من الأوائل إلاّ كانت له مساهمة فيه ][2] . ويقول أيضاً : تبقى له (للإمام علي) الهداية الأولى في التوحيد الإسلامي والقضاء الإسلامي والفقه الإسلامي، وعلم النحو العربي وفن الكتابة العربية . مما يجوز لنا أن نسميه أساساً صالحاً لموسوعة المعارف الإسلامية في العصور أو يجوز لنا أن نسميه موسوعة المعارف الإسلامية كلها في الصدر الأول في الإسلام . وتبقى له مع هذا فرائد الحكمة التي تسجل له في ثقافة الأمة الإسلامية على تباين العصور ][3] . وهنا نحب أن نشير أنه حتى أبي العلاء المعري يقول عن الإمام علي(عليه السلام) ][4] :
وعلى الأفق في دماء الشهيد***ين علي ونجله شاهدان
فهما في أواخر الزمان فجرا***ن وفي أولياته شفقان
وإضافة إلى ما يمتلكه الإمام علي(عليه السلام) من علم ونفاذ بصيرته فإنه ما فتئ يحثّ على طلب العلم ويذكر أهميته فيقول على سبيل المثال : تعلّم العلم فإنه إن كنت غنياً زانك ، وإن كنت فقيراً صانك . ثروة العلم تنجي وتبقي ، وثروة المال تهلك وتفنى . ثروة العاقل في علمه وثروة الجاهل في ماله . ويقول أيضاً : كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتسع به ][5] .
وسنحاول في هذه الدراسة أن نبين مآثر الإمام علي(عليه السلام) وبراعته في علم الحساب من خلال النظر في ثلاثة أعمال هامة له وهي :
نهج البلاغة ، والمسائل الحسابية التي حلها بسرعة ودقة تامة ، والشعر المنسوب إليه .
أولاً ـ نهج البلاغة :
إن خطب الإمام ورسائله ووصاياه التي وردت في نهج البلاغة تعجّ بمفاهيم حسابية كالأعداد والكسور ووحدات قياس الطول وتعبيرات رياضية ، وفيما يلي بعضاً منها :
الأعداد :
لقد وردت الأعداد صغيرها وكبيرها كثيراً في نهج البلاغة ، فقد ذكر الإمام علي(عليه السلام) على سبيل المثال :
الأول : في وصية له لابنه الحسن فيقول : أي بني ! إني وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم ][6] .
وذكر الواحد والاثنين في وصية له(عليه السلام) ، وصّى بها جيشا بعثه إلى العدو بقوله : ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ، ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن ][7] .
وذكر الثلاثة والاثنتين في كلام له في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق : ياأهل الكوفة ! منيت بكم بثلاثة واثنتين : صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديكم ][8] .
وقال(عليه السلام) وهو يذكر الرقم أربعة : من أعطي أربعاً لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة ][9] .
وفي الرقم خمسة قال(عليه السلام) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا : لا يرجون أحد منكم إلاّ ربه ، ولا يخافن إلاّ ذنبه ، ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول «لا أعلم» ، ولا يستحين أحدا إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه ، وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه ][10] .
والسبعة ذكرها في كلام له في التبرؤ من الظلم : واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة ، بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت ][11] .
ومن العشرات ورد الرقم عشرة في قوله لما عزم على حرب الخوارج: مصارعهم دون النطفة ! واللّه لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة ][12] .
وقد ورد أيضا ذكر العشرين والستين في خطبته وهو يحثّ على الجهاد ويذمّ القاعدين : للّه أبوهم !! وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع ][13] .
ومن المئات ذكر المائة في خطبة له ، يقول : لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ][14] .
ومن الاُلوف ذكر الألف بقوله : اللّهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء ! أما واللّه لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم ][15] .
وذكر القرن (وهو مائة عام) في خطبة الأشباح بقوله : ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته ، ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحملي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتى تمت بنبينا محمد(صلى الله عليه وآله) حجته ، وبلغ المقطع عذره ونذره ][16] .
الكسور :
والكسور هنا كالخمس والثلث والنصف ، الخ ... فمثلاً جاء ذكر الخمس في قوله : إن القرآن أنزل على النبي(صلى الله عليه وآله) والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفئ فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها ][17] .
وقد ورد ذكر الثلث في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة ، بقوله : وصلوا بهم العشاء حيث يتوارى الشفق إلى ثلث الليل ][18] .
وجاء ذكر الكسر تسعة أعشار بقوله : بلادكم أنتن بلاد اللّه أقربها من الماء وأبعدها من السماء ، وبها تسعة أعشار الشر ][19] . والنصف جاء في قوله(عليه السلام) : الهمّ نصف الهرم ][20] .
وحدات قياس الطول :
وتقيس هذه الوحدات الأبعاد الصغيرة ، كالإصبع والشبر والباع الخ ، كما تقيس الأبعاد الكبيرة كالفرسخ مثلاً .
فقد ورد الإصبع في جواب له عندما سئل(عليه السلام) عما بين الحق والباطل . فقال : مسافة أربع أصابع . الحق أن تقول : رأيت بعيني، والباطل أن تقول : سمعت بأذني ][21] . والشبر جاء ذكره في كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، عامله على البصرة ، بقوله : فو اللّه ما كنزت في دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ][22] .
والشبر كما جاء في لسان العرب هو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر ][23] (إذا فتحتهما) .
كما ذكر الفرسخ في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة بقوله : وصلّوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار ، حين يسار فيها فرسخان ][24] .
والفرسخ كلمة فارسية ويقول عنها ابن منظور في لسان العرب: إن الفرسخ : السكون من المسافة المعلومة في الأرض مأخوذ منه . والفرسخ ثلاثة أميال أو ستة ، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن . وهو واحد الفراسخ ، فارسي معرب والفرسخ ساعة من النهار ][25] . والفرسخ يساوي ثلاثة أميال أو ستة آلاف متر ][26] .
تعبيرات متصلة بالرياضيات :
ورد العديد من المصطلحات والتعبيرات تتصل بالرياضيات في خطب الإمام وكلامه . كالطول والعرض والعدد والقسمة والمضاعف والذرّة والنهاية والإحصاء والبرهان والفئة والمسافة والحساب وغيرها.
وسنذكر بعضاً منها . ففي كلام للإمام يوصي فيه أصحابه ، ذكر فيه تعبيرات مثل: الطول ، أطول ، أعرض ، أعلى ، حيث يقول : والجبال ذات الطول المنصوبة ، فلا أطول ، ولا أعرض ، ولا أعلى ولا أعظم منها ، ولو امتنع شيء بطول ، أو عرض ، أو قوة أو عز لامتنعن ][27] .
وورد تعبير القسمة في مواضيع كثيرة، مثلا جاء في خطبة له في صفة خلق بعض الحيوانات : وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها وعدّد قسمها ، فبلّ الأرض بعد جفوفها . وأخرج نبتها بعد جد وبها . وهنا تعديد القسم إحصاء ما قدر منها لكل بقعة ][28] .
وجاء ذكر المضاعف بأشكال مختلفة كالمضاعفات ، وأضعاف ، ومضاعفة ، ومضاعف الخ . ففي خطبة له بصفّين يقول : ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب ، تفضلاً منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله ][29] . والذرّة ذكرها في خطبة الأشباح بقوله : ورجع كل كلمة ، وتحريك كل شفة ، ومستقر كل نسمة ومثقال كل ذرّة ، وهماهم كل نفس هامّة ][30] . كما ذكر النهاية في خطبة له حول صفة خلق بعض الحيوانات بقوله : وإليها حاكمها ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيما ، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيدا ، بل كبر شأنا ، وعظم سلطانا ][31] .
وبمقابل النهاية ذكر اللانهاية ، وهذه تأتي بمعان عديدة مثلا، بلا عدد، لا يحصى ، التعداد الكثير ، الأزل الخ . فقد ورد تعبير لا بعدد في الخطبة السابقة بقوله : مستشهد الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، واحد لا بعدد ، ودائم لا بأمد وقائم لا بعمد ][32] .
وجاء تعبير لا يحصى في كلامه لمّا عزم على لقاء القوم بصفّين : ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام ، ومدرجا للهوام والأنعام ، وما يحصى مما يرى وما لا يرى ][33] .
أما التعداد الكثير الذي يعنى اللانهاية، فقد جاء ذكره في خطبة الأشباح أيضاً بقوله : اللّهم ! أنت أهل الوصف الجميل ، والتعداد الكثير ، إن تؤمل فخير مؤمل ، وإن ترج فأكرم مرجو ][34] .
ثانياً ـ مسائل حسابية :
من الأدلة الاُخرى على عبقرية الإمام علي(عليه السلام) ، هي حله لمسائل حسابية معقدة بسرعة ودقة ... ولا عجب في ذلك فهو الذي يقول على ملأ من الناس : «سلوني قبل أن تفقدوني» ][35] . وفي هذا المقام يقول عباس محمود العقاد عن الإمام(عليه السلام) : وفي أخباره ، مما يدل على علمه بأدوات الفقه كعلمه بنصوصه وأحكامه . ومن هذه الأدوات علم الحساب الذي كانت معرفته به أكثر من معرفة فقيه يتصرف في معضلة المواريث ، لأنه كان سريع الفطنة إلى حيله التي كانت تعدّ في ذلك الزمن ألغازاً تكدّ في حلها العقول ][36] . وسنذكر بعض المسائل المشهورة التي قام بحلها ، مما يدل على تضلعه بعلم الحساب آنذاك .
ومن هذه المسائل المسألة المنبرية والمسألة الدينارية وقصة الأرغفة وغيرها .
المسألة المنبرية :
وخلاصة هذه المسألة ][37] أن الإمام عليّاً(عليه السلام) سُئل وهو على المنبر عن ميّت ترك بنتين وأبوين وزوجة ، فأجاب من فوره : صار ثمنها تسعا . وسميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية لأنه أفتى بها وهو على منبر الكوفة .
والفريضة هنا (أي المال الذي تركه الميت) هي أربعة وعشرون ، للزوجة ثمنها (أي ثلاثة) وللأبوين ثلثها (أي ثمانية) وللبنتين الثلثان (أي ستة عشر) . فضاق المال عن السهام (أي نقص المال عن الحصص المفروضة) ، لأن الثلث والثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ الثمن . فإذا جمعنا الثلاثة والثمانية وأنقصناها من المال لكان الباقي ثلاثة عشر للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة . ويبدو أن ثمة حلين لهذه المسألة . وهي إما استخدام العول أو عدم استخدامه . (والعول هنا كما جاء في مختار الصحاح . عالت الفريضة ، ارتفعت وهو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض) ][38] .
فالعول هو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم . لهذا فإن النقص هنا هو ثلاثة فيدخل على الجميع فيزاد على الأربعة والعشرين ثلاثة تصير سبعة وعشرين للزوجة منها ثلاثة وللأبوين ثمانية وللبنتين ستة عشر . والثلاثة هي تسع السبع والعشرين ، فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا . وإما من نفى العول قال أن النقص يدخل على البنتين ][39] .
المسألة الدينارية :
يقال: إن امرأة جاءت إلى الإمام ، وشكت إليه أن أخاها مات عن ستمائة دينار ، ولم يقسم لها من ميراثه غير دينار واحد . فقال لها : لعله ترك زوجة وابنتين وأماً واثني عشر أخا وأنت ؟ فكان كما قال . وهنا تتجلى قوة علمه وحدسه فبمجرد أن علم بحصتها فقد استنتج عدد أفراد العائلة ، وليس فقط ذلك، بل العلاقة فيما بينهم وجنسهم وحصة كل منهم . حيث أن هذه المرأة كانت تتوقع أن أخاها قد ظلمها لذا طلبت الإنصاف وأخذ حقها . لذلك قال لها خلّف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة (أي ثلثي الستمائة هو أربعمائة) . وخلّف أُماً لها السدس ، مائة (أي سدسي الستمائة هو مائة) ، وخلّف زوجة لها الثمن ، خمسة وسبعون (أي ثمن الستمائة هو خمسة وسبعون) . وخلّف معك اثني عشر أخاً لكلِّ أخ ديناران ولكِ دينار قالت نعم . فلذلك سُميت هذه المسألة بالدينارية ][40] . ولذلك لو جمعنا هذه الحصص لكان مجموعها ستمائة وهو المبلغ الأصلي .
قصة الأرغفة :
جلس رجلان يتغذيان ، مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا الغذاء ، بين أيديهما مر بهما رجل ، فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم ، فتنازعا بينهما وارتفعا إلى الإمام علي(عليه السلام) فقصّا عليه قصتهما ، فحكم لصاحب الثلاثة أرغفة درهماً واحداً ، ولصاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم ، لأن الأرغفة الثمانية أربعة وعشرون ثلثاً ، لصاحب الثلاثة أرغفة منها تسعة أثلاث (لأن له ثلاثة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع تسعة أثلاث) ، أكل منها ثمانية (لأن هناك أربعة وعشرين ثلثاً أكلها الثلاثة بالتساوي فكل واحد منهما أكل ثمانية) وأكل الضيف واحداً منها ، ولصاحب الخمسة أرغفة منها خمسة عشر ثلثاً (لأن له خمسة أرغفة وكل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع خمسة عشر ثلثا) أكل منها ثمانية وأكل الضيف سبعة ][41] . أي أن كلاًّ من الثلاثة أكل ثمانية أثلاث . فالأول أعطى للضيف ثلثا واحدا والثاني أعطاه سبعة أثلاث (والمجموع ثمانية أثلاث) . وبما أن الضيف قد دفع لهم ثمانية دراهم ، أي قيمة كل ثلث هو درهم واحد، وأنه قد أكل ثلثا واحدا من الشخص الأول، لذا تكون حصة هذا الشخص درهما واحدا . وكذلك أكل من الثاني سبعة أثلاث لذا تكون حصته سبعة دراهم .
مسألة التي ولدت لستة أشهر :
روي أن عمر أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها فقال له الإمام علي(عليه السلام) : إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك إن اللّه تعالى يقول : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ويقول جلّ تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين (أي أربعة وعشرين شهرا) وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا ، فالحمل فيها ستة أشهر ، فخلّى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم لذلك فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا ][42] .
قصة الزُبية :
يقال: إنه رُفع للإمام علي(عليه السلام) وهو باليمن زُبية (وهي حفرة تحفر للأسد سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال) حفرت للأسد فوقع فيها ، فوقف على شفير الزبية رجل فزلت قدمه فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثالث وتعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد . فقضى (الإمام) أن الأول فريسة الأسد وعلى أهله ثلث الدية للثاني ، وعلى أهل الثاني ثلثا الدية للثالث ، وعلى أهل الثالث الدية الكاملة للرابع . فبلغ ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)فقال : لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء اللّه عزوجل فوق عرشه .
ورويت هذه الحادثة بصور اُخرى وهي أن الزبية لما وقع فيها الأسد أصبح الناس ينظرون إليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية فسقط فيها رجل وتعلق بالذي يليه وتعلق الآخر بالآخر حتى وقع فيها أربعة فقتلهم الأسد . فأمرهم أميرالمؤمنين(عليه السلام) أن يجمعوا ديّة تامة من القبائل الذين شهدوا الزبية ونصف دية وثلث دية وربع دية ، فأعطى أهل الأول ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة ، وأعطى أهل الثاني ثلث الدية من أجل أنه هلك فوقه اثنان وأعطى أهل الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد ، وأعطى أهل الرابع الديّة تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد فأخبروا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فقال : هو كما قضى .
والظاهر أنهما واقعتان، ففي الرواية الاُولى أن الأول زلّت قدمه فوقع ولم يرمه أحد ، وفي الرواية الثانية أن المجتمعين تزاحموا وتدافعوا فيكون سقوط الأول بسببهم ولذلك اختلف الحكم فيها ][43] .
ثلاثة رجال يختصمون :
عن شرح بديعة بن المقري أنه جاء إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) ثلاثة رجال يختصمون في سبعة عشر بعيراً . أولهم يدعي نصفها وثانيهم ثلثها ، وثالثهم تُسعها . فاحتاروا في قسمتها ، لأن في ذلك سيكون كسراً (أي جزء من بعير) . فقال(عليه السلام) : أترضون أن أضع بعيراً مني فوقها وأقسّمها بينكم ، قالوا : نعم ، فوضع(عليه السلام) بعيراً بين الجمال ، فصارت ثمانية عشر ، فأعطى الأول نصفها وهو تسعة ، وأعطى الثاني ثلثها وهو ستة ، وأعطى الثالث تسعها وهو اثنان وبقي بعير له ][44] .
ثالثاً ـ الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) :
وردت تعبيرات تخص الحساب ، كالأعداد والكسور وغيرها في الشعر المنسوب للإمام(عليه السلام) ، سنذكر بعضاً منها : فقد جاء ذكر الألف في شعر له ][45] ، حيث يقول :
عليك بإخوان الصفاء ، فإنهم***عماد إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خل وصاحب***وإن عدوا واحدا لكثير
كما ذكر العدد سبعين ألفا في شعر له أيضا ][46] :
لأصبحن العاصي ابن العاصي***سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص***مستحلقين حلق ألدلاص
وفي حسبة العمر يقول ][47] ، وقد ذكر العدد ستين والنصف والثلث :
إذا عاش الفتى ستين عاما***فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يدري***لغفلته يمينا من شمال
وثلث النصف آمال وحرص***وشغل بالمكاسب والعيال
فحب المرء طول العمر جهل***وقسمته على هذا المنال
الخاتمة :
في ضوء إجابات المسائل السابقة وغيرها ، برهان ساطع على علم الإمام المحيط وحضوره لديه فيما يجعله حجة على الخلق في جميع العلوم والفنون ، خصوصاً إذا قسنا ذلك إلى عصر الإمام والثقافة العلمية المحدودة لناس آنذاك ، وفي ذلك يقول عباس محمود العقاد : ولكن هذه الفنون من الثقافة ـ أو جلها ـ إنما تعظم بالقياس إلى عصرها والجهود التي بذلت في بدايتها ][48] .
ويقول أيضاً : وخلاصة ذلك كله أن ثقافة الإمام(عليه السلام) هي ثقافة العلم المفرد والقمة العالية بين الجماهير في كل مقام . من ذلك يمكن القول إن الإمام(عليه السلام) يعد أول من عمل في علم المواريث ، كما جاءت في القرآن الكريم ، وأول من قام بحل المسائل الحسابية في صدر الإسلام، كما يعد أول من تمكن من الفكر الموسوعي الذي يجمع أكبر عدد من فروع المعرفة المختلفة . ولكن من الغريب ، ـ حسب ما لاحظنا ـ أن غالبية كتب تاريخ الرياضيات لم تذكر ذلك، وهذا أمر يوسف له ، لذلك لابد من إجراء المزيد من البحوث والدراسات لهذه الحقبة الهامة من التاريخ الإسلامي .
ـــــــــــــــ
[1] عز الدين ابن الأثير الجوزي (1994) «أسد الغابة في معرفة الصحابة» تحقيق علي محمد عوض ، دار الكتب العلمية ، بيروت 4 : 95 .
[2] عباس محمود العقاد (1967) «عبقرية الإمام علي» دار الكتاب العربي ، بيروت : 190 .
[3] المصدر السابق : 194 .
[4] المصدر السابق : 6 .
[5] علي بن أبي طالب (1993) «نهج البلاغة»، شرح محمد عبده : 4 ، مؤسسة الأعلمي بيروت : 671 .
[6] نهج البلاغة ، مصدر سابق : 529 .
[7] نهج البلاغة : 501 .
[8] نهج البلاغة : 217 .
[9] نهج البلاغة : 657 .
[10] نهج البلاغة : 643 .
[11] نهج البلاغة : 468 .
[12] نهج البلاغة : 132 .
[13] نهج البلاغة : 92 .
[14] نهج البلاغة : 210 .
[15] نهج البلاغة : 87 .
[16] نهج البلاغة : 204 .
[17] نهج البلاغة : 688 .
[18] نهج البلاغة : 571 .
[19] نهج البلاغة : 66 .
[20] نهج البلاغة : 658 .
[21] محسن الأمين (1947) «أعيان الشيعة 3 ، القسم الأول ط 2 ، مطبعة الإتقان دمشق : 33 .
[22] نهج البلاغة : 559 .
[23] ابن منظور ، لسان العرب 4 ، دار صادر بيروت : 391 .
[24] نهج البلاغة : 570 .
[25] ابن منظور ، لسان العرب 3 : 44 .
[26] جلال شوقي (1985) «من تراثنا المنظوم في الرياضيات» ، المجلة العربية للعلوم، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس : 94 .
[27] نهج البلاغة : 432 .
[28] نهج البلاغة : 378 .
[29] نهج البلاغة : 450 .
[30] نهج البلاغة : 207 .
[31] نهج البلاغة : 375 .
[32] نهج البلاغة : 375 .
[33] نهج البلاغة : 345 .
[34] نهج البلاغة : 208 .
[35] محسن الأمين ، أعيان الشيعة ، مصدر سابق : 33 .
[36] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .
[37] محسن الأمين (1983) «أعيان الشيعة» المجلد الأول ، دار التعارف ، بيروت : 242 .
[38] محمد بن أبي بكر الرازي (1984) «مختار الصحاح» مؤسسة علوم القرآن ، دمشق : 463 .
[39] عباس محمود العقاد ، مصدر سابق : 196 .
[40] محسن الأمين «أعيان الشيعة» ، دار التعارف : 343 .
[41] المصدر السابق : 343 .
[42] المصدر السابق : 343 .
[43] المصدر السابق : 411 .
[44] حسين علي الشفائي (1990) «الحق المبين في قضاء أميرالمؤمنين» دار كرم ، دمشق : 115 .
[45] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 28 .
[46] أحمد تيمور ، مصدر سابق : 37 .
[47] عبدالعزيز سيد الأهل (1980) «من الشعر المنسوب إلى الإمام الوصي علي بن أبي طالب»، ط 2، دار صادر ، لبنان : 111 .
[48] عباس محمود العقاد : 210 .
arab1m- قلم ذهبي
- عدد الرسائل : 129
العمر : 60
تاريخ التسجيل : 19/12/2007
مواضيع مماثلة
» صبر أيوب عليه السلام
» المسيح عيس بن مريم عليه السلام
» العلوم الرياضية في تراث الإمام علي(ع)
» تذكرت من ظلمني فلم أجد أبلغ من قول الإمام أبي مسلم البهلاني
» السلام عليكم
» المسيح عيس بن مريم عليه السلام
» العلوم الرياضية في تراث الإمام علي(ع)
» تذكرت من ظلمني فلم أجد أبلغ من قول الإمام أبي مسلم البهلاني
» السلام عليكم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى